تقاليد الزواج عند التبو


منقول ….


يُعدّ الزواج عند التبو مرآة عاكسة لثقافتهم الممتدّة عبر الأزمنة، من العادات والتقاليد والأعراف، التي ميّزتها عن غيرها، فنجدها كثيرا ما تتسم  بالغرابة في نظر من هو خارج نطاقها، ويشاهدها للوهلة الأولى. وتحظى تقاليد الزواج عند التبو باعتبارها موروثا ثقافيّا؛ بتقدير كبير عندهم، إلى يومنا هذا.

في هذا التقرير، سنذهب سويّا في رحلة استكشافيّة حول عادات وتقاليد الزواج عند التبو الليبيّين، ابتداء باختيار العروس ومرورا بطقوس الزفاف واختتاما بمراسم الاحتفال، بعضها مألوف ومشترك مع الثقافات الأخرى، وبعضها ينفرد التبو به، دون غيرهم.


الزواج عند التبو: طقوس وقوانين

يقضي العرف السائد لدى التبو بعدم زواج الأقارب حتى الجد السابع من الجهتين، جهة الأب وجهة الأم. وحين يُبدي الرجل رغبته بالزواج، يتم تداول الأمر بين أفراد الأسرة، إذ ينبغي معرفة نسب الفتاة المعنيّة، وشجرة عائلة والدها ووالدتها معا، لمعرفة وجود صلة قربى بينهما من عدمها.

ولا يقتصر الأمر على أقارب الزوجين وحسب، بل حتى في حالة كون الرجل متزوّجاً ويرغب بالزواج من امرأة ثانية، يجب ألا تربط الفتاة التي يرغب الزواج منها علاقة قربى بزوجته الأولى، فإن وجدت صلة قرابة منع من الزواج بها.

حين يتم التأكّد من عدم وجود صلة القرابة، يُرسل أهل الرجل وكيلا منهم إلى أهل الفتاة لطلب يدها. وبعد الموافقة يقع تحديد يوم للخطبة بشكل رسمي، ويتفق الطرفان على المهر والشروط، وتحديد موعد مبدئي للزواج.

تبدأ بعد ذلك الطقوس التمهيدية للعرس؛ انطلاقا من إعداد البخور للعروس، وهو طقس مهم جداً، تجتمع فيه النسوة لتحضير أنواع البخور والعطور، وتعبئتها في زجاجات مخصّصة لذلك، وتحفظ جيّداً حتى يوم العرس. كما تبدأ الفتيات في تحضير الحلويات والأطباق التقليدية استعدادا للمناسبة.

تأتي بعد ذلك طقوس اختيار الوزيرة؛ أو ما يسمّى بـ(المرشدة) والتي يُطلِق عليها التبو مصطلح “تشنارا“. وعادة ما تكون من قريبات والدة العروس. ويُشترط أن تكون من المتزوّجات الأكبر سناً، ومهمتها تقديم النصائح الزوجية وتهيئة العروس للأمور الحياتية، وتوجيهها بالمسؤوليات والواجبات المنوطة بها في حياتها الزوجية.


العرس: مراسم وفنون

أمّا بالنسبة لمراسم الزواج؛ فهناك ما يسمى بـ(الجفنة) والتي يطلق عليها التبو “بودا“.

في هذا الطقس يُحضر أهل العريس مستلزمات العرس لأهل العروس؛ والمتمثلة في جهاز العروس ويتضمن الملابس والحُليّ كالذهب والمجوهرات، بالإضافة إلى كل ما يلزم من التموين والمواد الغذائية وعلى رأسها الذبائح، وعادة ما تكون ناقة، يحضرونها في موكب يقوده أقرباء العريس، ممزوجة بأصوات الأهازيج والزغاريد النسوية، التي تتميز بها نساء التبو وتندرج ضمن تراثهم.

ما يميّز المراسم من جهة العروس، أنّه يتمّ تحضير العروس في اليوم المحدد للزواج، وفق الطقوس المتبعة لدى التبو. فالعروس في ذلك اليوم تزيّن جسدها بالحنّاء، ويُسرَّح شعرُها في ظفائر طويلة ورقيقة، وفي صباح اليوم التالي، يتم عزلها في ركن خاص من البيت، ويغطّى وجهها؛ إذ لا ينبغي كشف وجه العروس سوى لصديقاتها، كدلالة على الحياء والخجل التي تبديهما العروس.

أما من جانب العريس، وبعد وليمة الغداء؛ يرافقه أصدقاؤه لتجهيزه للزواج أيضاً، في طقس يسمّى بالتباوي “أركودي“:

حيث يُؤخذ العريس من مكان تواجده إلى بيت أمّه، ومن ثم يغتسل ويتعطّر ويرتدي الزي التباوي التقليدي “غرابوب” ويحمل في يده سوطا جلديا. وبذلك يصبح جاهزا لإتمام المراسم في حضوره، حيث يجلس في باحة البيت لاستقبال التهاني والتبريكات من الحضور.


من طقوس الأعراس أيضا، فنونٌ تميّز التبو عن غيرهم، إذ تقام أمسيّات غنائيّة أثناء إتمام مراسم الزواج، حيث تحيي نساء العائلة الكبيرات في السن هذه الأمسيات بالأغاني التباوية (شيلا) وهو شعر غنائي تنظمه النساء، لإحياء الأغاني القديمة، فينبعث منها الحماسة والفخر.

تقتصر هذه الأشعار الغنائية في مدح العريس لأصله الشريف، وسرد بطولات أسلافه، ومواقفهم، وتعداد المآثر والمحاسن؛ بهدف روح التجديد والتوارث المستمر عبر التاريخ.

من الأنواع الغنائية الأخرى فنّ (الهيمي) وهو غناء شعري ينتشر غالباً بين الفتيات، ويصاحبه رقص مع حركات متناسقة ومتناغمة مع إيقاع ذلك الفن. كما لا تخلو الأعراس التباوية من عزف (الكيدي) وهو عزفٌ تباوي يُدعى “نقري” ويُرافقه غناء للفنان الذي يدعى باللسان التباوي “دودي“. وهذا الفن حكر على طبقة خاصة من التبو، متخصّصة في هذا النوع من الفن والعزف، وتتوارثها جيلا بعد جيل.

في بيت أهل العروس أيضا، يستمر العزف والغناء، وفي المساء تغتسل العروس وترتدي ثوباً ورداء من الأردية التقليدية للنساء التبو ويسمى “أيبي“. وطيلة هذه الطقوس لا يُكشف وجه العروس أبدا، ويظلّ وجهها غير مكشوف لمن حولها، من عامّة المعازيم، حتى تخرج من منزل ذويها. وتقوم الأمّ بالدعاء لها بالتوفيق في حياتها الجديدة، وسط دعوات مماثلة من الخالات والعمات.



الزفاف: موكب ومهرجان

قبيل انطلاق موكب الزفاف، هناك عادة تميّز تقاليد الزواج عند التبو، حيث تقوم الخالة بسدّ مدخل الباب، فهذه العادة تسمى “يوقاه” وتعني عدم السماح للعروس بالخروج؛ إلا بعد أن يقوم ابن خالة العريس حصراً بدفع مبلغ مالي رمزي؛ للتعبير عن مكانة الخالة، وعندئذٍ يُسمح لقريبات العريس والعروس بزفّ العروس إلى بيت الزوجيّة، في موكب بهيج يمثل تحفة فنية للموروث الثقافي التباويّ.

بعد العرس، يستمرّ حظر كشف وجه العروس لغير زوجها وصديقاتها، طيلة الأسبوع. كما يتحتّم على العريس أيضا، ألّا يخرُج من بيت الزوجية خلال النهار، فطيلة هذا الأسبوع يمنع خلالها أن يُرى في الشارع نهاراً.

من الطقوس أيضا أن تبقى العروس حبيسة بيتها طيلة 40 يوما، وفي اليوم الأربعين، تخرج في موكب من الصديقات وفتيات العائلة، تقوم فيه بزيارة بيوت أقارب الزوج؛ لتحيّتهم وتقديم الهدايا لهم.

خاتمة

تقاليد الزواج عند التبو بشكل عام لا تختلف كثيرا عن باقي المجتمعات، وما يميّزها هي هذه الطقوس والتفاصيل، التي ذكرنا بعضها في ثنايا التقرير، فهي تعتبر موروثاً ثقافياً ذا طابع تاريخي لدى التبو، وبالإضافة إليها – أي الطقوس – فإنّ للتبو دستورا يميّزهم ويُحتكم له في قضاياهم الداخلية، ويلتزمون بتنفيذ ما ورد به.